سورة المؤمنون - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}. {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ} أي: تسفع، وقيل: تحرق، {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} عابسون.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة، أخبرنا محمد بن أحمد الحارثي، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وهم فيها كالحون، قال: تشويه النار، فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته» وبهذا الإسناد عن عبد الله بن المبارك عن حاجب بن عمر عن الحكم ابن الأعرج قال: قال: أبو هريرة: «يعظم الكافر في النار مسيرة سبع ليال، فيصير ضرسه مثل أحد، وشفاههم عند سررهم، سود زرق خسر مقبوحون» قوله عز وجل: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} يعني القرآن، تخوفون بها، {فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} قرأ حمزة والكسائي: {شقاوتنا} بالألف وفتح الشين، وهما لغتان أي: غلبت علينا شقوتنا التي كتبت علينا فلم نهتد. {وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} عن الهدى. {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} أي: من النار، {فَإِنْ عُدْنَا} لما تكره {فَإِنَّا ظَالِمُونَ} {قَالَ اخْسَئُوا} أبعدوا، {فِيهَا} كما يقال للكلب إذا طرد: اخسأ، {وَلا تُكَلِّمُونِ} في رفع العذاب، فإني لا أرفعه عنكم، فعند ذلك أيس المساكين من الفرج، قال الحسن: هو آخر كلام يتكلم به أهل النار ثم لا يتكلمون بعدها إلا الشهيق والزفير، ويصير لهم عواء كعواء الكلاب لا يفهمون ولا يفهمون، روي عن عبد الله بن عمرو: أن أهل جهنم يدعون مالكا خازن النار أربعين عاما: {يا مالك ليقض علينا ربك} [الزخرف- 77] فلا يجيبهم، ثم يقول: {إنكم ماكثون} [الزخرف- 77]، ثم ينادون ربهم: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} فيدعهم مثل عمر الدنيا مرتين ثم يرد عليهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} فلا ينبس القوم بعد ذلك بكلمة إن كان إلا الزفير والشهيق.
وقال القرطبي: إذا قيل لهم: {اخسئوا فيها ولا تكلمون} انقطع رجاؤهم، وأقبل بعضهم ينبح في وجه بعض، وأطبقت عليهم.


{إِنَّهُ} الهاء في {إنه} عماد وتسمى أيضا المجهولة، {كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي} وهم المؤمنون {يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي: {سخريا} بضم السين هاهنا وفي سورة ص، وقرأ الباقون بكسرهما، واتفقوا على الضم في سورة الزخرف. قال الخليل: هما لغتان مثل قولهم: بحر لجي، ولجى بضم اللام وكسرها، مثل كوكب دري ودري، قال الفراء والكسائي: الكسر بمعنى الاستهزاء بالقول، والضم بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل، واتفقوا في سورة الزخرف بأنه بمعنى التسخير، {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ} أي: أنساكم اشتغالكم بالاستهزاء بهم وتسخيرهم، {ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} نظيره: {إن الذين اجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون} [المطففين- 29] قال مقاتل: نزلت في بلال وعمار وخباب وصهيب وسلمان والفقراء من الصحابة، كان كفار قريش يستهزئون بهم. {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا} على أذاكم واستهزائكم في الدنيا، {أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} قرأ حمزة والكسائي {أنهم} بكسر الألف على الاستئناف، وقرأ الآخرون بفتحها، فيكون في موضع المفعول الثاني إني جزيتهم اليوم بصبرهم الفوز بالجنة.


{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ} قرأ حمزة والكسائي: {قل كم لبثتم} على الأمر. ومعنى الآية: قولوا أيها الكافرون، فأخرج الكلام مخرج الواحد، والمراد منه الجماعة، إذ كان معناه مفهوما، ويجوز أن يكون الخطاب لكل واحد منهم، أي قل يا أيها الكافرون، وقرأ ابن كثير: قل كم، على الأمر، وقال أن على الخبر، لأن الثانية جواب، وقرأ الآخرون: {قال} فيهما جميعا، أي: قال الله عز وجل للكفار يوم البعث: كم لبثتم؟ {فِي الأرْضِ} أي: في الدنيا وفي القبور {عَدَدَ سِنِينَ} {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} نسوا مدة لبثهم في الدنيا لعظم ما هم بصدده من العذاب، {فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصونها عليهم. {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ} أي: ما لبثتم في الدنيا، {إِلا قَلِيلا} سماه قليلا لأن الواحد وإن طال مكثه في الدنيا فإنه يكون قليلا في جنب ما يلبث في الآخرة، لأن لبثه في الدنيا وفي القبر متناه، {لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قدر لبثكم في الدنيا. قوله عز وجل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} لعبا وباطلا لا لحكمة، وهو نصب على الحال، أي: عابثين. وقيل: للعبث، أي: لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب، وهو مثل قوله: {أيحسب الإنسان أن يترك سدى} [القيامة- 36]، وإنما خلقتم للعبادة وإقامة أوامر الله عز وجل، و{وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} أي: أفحسبتم أنكم إلينا لا ترجعون في الآخرة للجزاء، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب لا {ترجعون} بفتح التاء وكسر الجيم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، أخبرنا حميد بن زنجويه، أخبرنا بشر بن عمر، أخبرنا عبد الله بن لهيعة، أخبرنا عبد الله بن هبيرة، عن حنش، أن رجلا مصابا مر به على ابن مسعود فرقاه في أذنيه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} حتى ختم السورة فبرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بماذا رقيت في أذنه»؟ فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو أن رجلا موقنا قرأها على جبل لزال».

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9